 (1).jpg)
أسامة داود يكتب: حكاية ليلى من الفستان إلى الأفرول

أميرة مصرية عاشت سنوات طويلة فوق حفار فى عرض البحر شاركت الرجال العرق والجهد فى مهنة من أشق الاعمال وهى استخراج البترول من على بعد الاف الامتار تحت أعماق قاع البحار.
المهندسة ليلى الحارص"بحرف الصاد" مسئولة العمليات بشركة شل مصر حالياً ، أحد النماذج التى تحمل رغم ضآلة بنيانها قوة الصخر وصلابة الفولاذ، صعدت أعلى البراريم فى وسط أمواج البحار وعاشت بين الأعاصير وأسماك القرش العملاقة وتلاطم الأمواج التى تشبه الجبال.
امتزجت كلمات المهندسة ليلى بالرقة والعذوبة وهى تسرد خطوات حياتها التى تجمع فى ثناياها كل التناقضات..
من العيش الناعم حيث يعمل الوالد فى منظمة اليونسكو، وارتداء الفساتين وأحدث خطوط الموضة العالمية إلى عنصر يرتدى الأفرول الخشن، قررت أن تلقى بنفسها فوق ظهر حفار ــ أشبه بنقطة لا تُرى ولو عن قٌرب بالعين المجردة ــ تصارعها جبال من الأمواج، وتتراقص حولها أسماك القرش وكائنات أخرى متوحشة تنام فوق أسرّة جافة وحياة كلها عمل وشقاء لا ترفيه فيها سوى ممارسة بعض الرياضات والألعاب، لتعيش على بعد عشرات الأميال داخل البحر ولمدة تصل إلى 70 يومًا كتفًا بكتف مع أكثر من 300 رجل.
تقول ليلى التى تختلط كلماتها العربية بلهجتها المصرية الخالصة باللغة الإنجليزية: تخرجت من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وتقدمت أثناء الدراسة فى السنة النهائية للالتحاق بشركة شل والتى كان بعض قيادتها فى زيارة للجامعة، فمنحونا فرصة الخضوع للاختبارات ونجحت فى اجتيازها، والتحقت بالعمل بها فى سلطنة بروناى بآسيا، عملت على بريمة فى عرض البحر وكان عمرى 23 سنة وبقيت لمدة 72 يومًا متصلة دون إجازة.
كنت الابنة الأولى من ثلاث بنات لأسرتى، وكنا نعيش بالخارج، حيث عمل والدى بمنظمة اليونسكو، فقضيت حياتى حتى الثامنة عشرة من العمر خارج مصر، لكن الوالد أصر على أن أدخل الجامعة فى مصر لأكتسب اللغة العربية.
بعد الالتحاق للعمل بشركة شل وجدت نفسى السيدة الوحيدة التى طلبت العمل على بريمة داخل البحر، بينما كان لى الاختيار أن أعمل بمقر إدارة الشركة فى أى من فروعها.
كنت أريد العمل الصعب حتى أتعرف على طبيعة الحياة فوق منصة حفار فى عرض البحر.. وجدت أننى الفتاة الوحيدة التى تعمل على البريمة ومع عدد كبير من الرجال يصل عددهم إلى 300 رجل، كنت أشارك فى عمليات فحص وتحليل وتقييم العينات من الطبقات الجيولوجية.
تعلمت كيف أتعامل مع رفع الأحمال بطريقة سليمة، قررت أن أعمل فى كل المجالات لأصبح على علم بكل شىء فى مهنة ربما هى من أشق المهن وفى حياة جافة وخشنة.


فى الدول الأوروبية كان هناك فتيات يعملن، ولكننى كنت أنا المصرية الوحيدة التى تعمل فى البحر على بعد عشرات الأميال من الشاطئ.
كان الجميع يقدرنى وكانوا إخوتى بمعنى الكلمة، يحرصون علىّ وعلى سلامتى، كنت أنا أشبه بالأخت المدللة لهم جميعًا.. وفى شل لم يكن هناك من يدخر جهدًا فى إكسابى كل المهارات والمعلومات المطلوبة، مما أهلنى لأن أعمل فى كل المجالات بداية من صعود البريمة انتقالاً الى تقييم عينات من الطبقات الجيولوجية وصولاً للمراقبة والمتابعة من داخل الكنترول وصولاً الى الادارة.. ثم انتقلت إلى سلطنة عمان، أبوظبى، أمريكا اللاتينية، البرازيل، وإنجلترا.. ذهبت إلى معظم دول العالم أعمل فى ظروف كانت غاية فى الصعوبة.. عملت صداقات كثيرة فى كل أنحاء العالم، والتقيت فى هذا معرض ايجبس للبترول هذا العام مع اثنين من الزملاء القدامى.
سألتها: كيف بدأت حياتك الأسرية وهل تأثرت بعملك فى البترول داخل البحار؟
أجابت ليلى بكلمات مغلفة بابتسامة كنسمة هواء منعشة: بالنسبة لحياتى التقيت بأحد الزملاء فى العمل، وهو من البرازيل ونتيجة لجدية الحياة التى اخترتها قررنا الزواج، وأنجبت ابنتى وأطلقت عليها اسم إيزيس حتى يكون معى اسم مصرى قديم، وهى أيضًا تريد أن تصبح مهندسة بترول.. فأنا مثلها الأعلى وتحضر معى إلى العمل فى أوقات كثيرة، والآن عمرها الآن 11 سنة وعشت بالبرازيل مع زوجى.. ولكننى طلبت الانتقال للعمل بمصر حتى أمنح ابنتى فرصة تعلم اللغة العربية وأن تكمل تعليمها فى مصر.
نصيحتى لكل الفتيات ألا يضعن لطموحهن حدًا، وأن ينطلقن فى تحقيق ذواتهن مع الالتزام بالتقاليد والأخلاقيات، وأن يكون العمل بالنسبة لهن عبادة، وأتوقع أن العنصر النسائى فى قطاع البترول المصرى سوف يتبوأن مقاعد رئاسة شركات فى القريب العاجل.